أسباب الرزق
يا طالب الرزق إن الرزق في طلبك
والرزق يأتي وإن أقللت من تعبك
إن تخف أسباب هذا الرزق عنك فكم
للرزق من سبب يغنيك عن سببك
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فإن من الأمور التي أهمَّت الكثير من الناس وأقلقت بالَهَم أمر وتدبير المعاش، حتى سلكوا في سبيله كل مسلك، وسعوا إليه بكل سبيل من حله وحرامه، وغفل هؤلاء أن هناك أسبابًا أُخَر، حين يرزق الله بها فشأنه مما لا يسمو إليه الوصف، ولا يقيسه مقياس البشر، فبها يُعطي – سبحانه - رزقًا بلا سبب، ويبدعهُ بلا مقدمات، وهذه الأسباب مع كونها أصلًا في حياة المسلم عامة، وطلب المؤمن خاصة فهي كذلك أُنس بغير أهل، وعز بغير عشيرة، وجاهٌ بغير منصب، وشبع بغير طعام، وري بغير شراب(
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 17] .
(
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). [ العنكبوت 60].
وها هي الأسباب التي وعد - عز وجل - من تمسك بها ووعاها وأحسن استخدامها، كفاه ما أهمه، وساق إليه رزقه من حيث لا يحتسب، والله لا يخلف الميعاد، والمسؤول أن يرزقنا الإخلاص في القول والفعل، وكتبه الفقير إلى رحمة ربه/ خليل بن إبراهيم أمين.
السبب الأول: التوكل على الله.أول هذه الأسباب هو التوكُّلُ على الله عز وجل:
يقول الله تعالى: (
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3].
قال شتير: سمعتُ عبد
الله (أي ابن مسعود) يقول: «إن أشدَّ آية في القرآن تفويضًا: (
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
والتوكُّل على الله مقام جليل القدر، عظيم الأثر، أمر الله به في مواطن كثيرة من كتابه فقال
وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [إبراهيم: 11] وقال: (
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان: 58] وقال: (
فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [هود: 123]
حقيقة التوكُّل: هو صدقُ اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضارّ من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأن لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه ( ).
السبب الثاني:
تقوى اللهومن أسباب الرزق تقوى الله عز وجل:
- يقول الله عز وجل
وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2، 3].
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «
إن أكبر آية في القرآن فرجًا: (
وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)».
- يقول الله عز وجل: (
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
السبب الثالث:
صلة الرحمومن أسباب الرزق صلة الرحم:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «
مَنْ سَرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه، وأن يُنْسَأَ له في أثره فَلْيَصل رحمه».
- وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
إن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم، حتى إن أهل بيت ليكونوا فَجَرةً فتنمو أموالُهم، ويكثر عددُهم إذا تواصلوا، وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون»
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
مَنْ أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقه ويُنسأ له في أَثَره فليصل رحمه».
السبب الرابع:
الاستغفار والتوبةومن أسباب الرزق: الاستغفار والتوبة:
1- يقول الله عز وجل: (
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10-12].
قال الإمام القرطبي: «
في هذه الآية والتي في هود دليل على أن الاستغفار يستنزَل به الرزق والأمطار».
إن الله تعالى يقول في سورة نوح: (
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).
2- ويقول الله عز وجل حاكيًا عن نوح وهو يدعو قومه إلى الاستغفار: (
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52].
السبب الخامس:
الإحسان إلى الضعفاء:
ومن أسباب الرزق: الإحسان إلى الضعفاء:
1- وعن مصعب بن سعد رضي الله عنه قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم».
2- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «
ابغوني في ضعفائكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم».
فمن هو الضعيف؟
قال في القاموس: الضَّعف: هو ضد القوة .
وفُسرَ الضعف بالصغَر وبالكبر عند قوله: (
وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ) [البقرة: 226] وفُسر بالجنون عند قوله: (
أَوْ ضَعِيفًا) [البقرة: 282]، قال ابن كثير: صغيرًا أو مجنونًا. وفُسر بالعمى عند قول قوم شعيب لشعيب عليه السلام: (
وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) [هود: 91]
السبب السادس:
الإنفاق في سبيل الله
ومن أسباب الرزق: الإنفاق في سبيل الله:
1- قال تعالى: (
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].
قال ابن كثير: «
يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب».
- ويقول سبحانه: (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *) [البقرة: 267، 268].
السبب السابع:
تفريغُ القلب لعبادة الله تعالى:
ومن أسباب الرزق تفريغ القلب لعبادة الله تعالى:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرَك غنى، وأَسُدُّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يَدَكَ شُغْلًا، ولم أَسُدّ فقرَك».
العبادة
العبادة: اسم جامع لما يحبُّه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وتكون العبادة عبادةً إذا كانت مأخوذةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودًا بها وجهَ الله تعالى، والتفرغ لعبادة الله تعالى هو الوسيلة إلى السعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور، وليس معنى التفرغ للعبادة هو القعود عن الكسب والانقطاع عن طلب الرزق؛ فما كان الإسلام يومًا ما يدعو إلى نصب سوق البطالة والكسل؛ ولكنَّ المعنى الأعَمَّ والأشملَ يتحقق بأمور منها:
أولاً - وهو أعظمها: تحقيق التوحيد الخالص لله - عز وجل ؛ وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم - عليه السلام، وبه أمر جميع الجنِّ والإنس؛ كما في قوله - سبحانه وتعالى: (
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]
السبب الثامن:
النكاحقال تعالى: (
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32].
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «رغبهم الله في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ووعدهم عليه بالغنى فقال (
إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)».
السبب التاسع:
المتابعة بين الحج والعمرة:
ومن أسباب الرزق المتابعة بين الحج والعمرة:
- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
تابعوا بين الحَجِّ والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحَجَّة المبرورة ثوابٌ إلا الجنة » .
- عَنْوَنَ الإمامُ ابن حبَّان على هذا الحديث فقال: «
ذكر نفي الحج والعمرة الذنوب والفقر عن المسلم بهما».
- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» .