تطوير الشخصية
من طبيعتنا البشرية النقص لذلك نسعى للكمال؛ لإيماننا التام بنقص ذواتنا لكوننا بشرا معرضين للخطأ، والنقص أحد سماتنا البشرية، ومع هذا يبقى السعي للكمال واجبا إنسانيا لتلافي النقص الذي يعترينا، والذي هو من أساس خلقتنا التي فطرنا الله عليها؛ لأن الكمال عزيز وهو لله جل شأنه سبحانه، ومن هذا المنطلق يسعى الإنسان الطموح والذي يريد النجاح في الحياة لتطوير نفسه، وتلافي العيوب التي يراها أو قد ينبّه لها، ويطور ذاته وشخصيته ليكون أفضل؛ وحتى نحقق هذا الأمر ـ تطوير الشخصية ـ يجب معرفة الهدف من التطوير؛ لأن معرفة الهدف يسهل عملية التطوير.
لنتفق أولا أنه حتى نطور من أنفسنا أن نؤمن بأننا أصحاب عيوب ولا بد لنا التخلص من هذه العيوب، ولكل شخص منا شخصية ذات ملامح مختلفة عن غيرها ونادرة، وله سلوكياته الخاصة به التي لا يشبهه فيها أحد، ولكل منا تصوره عن ذاته وعن شخصيته، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كل منّا مؤمن بعيوبه؟ وما الذي يجب عمله إزاء هذه العيوب؟
الواجب علينا الإيمان بأننا نخطئ وأننا أصحاب عيوب، والواجب تجاه عيوبنا عند اكتشافها هو محاولة التخلص منها، واستبدالها بصفات حسنة؛ لأن عيوب الشخصية تعوق صاحبها عن مواصلة السير في طريقه، بل وتعرقل عليه بعض أموره، وربما يخسر بعض الأشخاص بسبب ذلك.
ولنبدأ معا ومن الآن في التخلص من عيوب شخصياتنا، ولنسعَ للارتقاء بها إلى أعلى مستوياتها.
لو كان الطريق إلى التغيير صعبا فهل سنكمل ونواصل الطريق؟
وهل نمتلك العزم والإرادة والإصرار لتحقيق الإصلاح؟
الكثير من الناس يعرفون عيوبهم، ويعرفون ماذا ينبغي عليهم فعله، لكنهم لا يفعلون شيئا بسبب عدم وجود القوة الدافعة لذلك، وهذه القوة موجودة في داخلنا ولن يوقظها إلا الهدف المناسب، وهو الارتقاء بالشخصية وإصلاح عيوبها، والتواصل الجيد مع الآخرين.
لا بد أن نجد في داخلنا أهدافا إنسانية نبيلة وكبيرة بما فيه الكفاية، وعظيمة بما فيه الكفاية؛ حتى يكون لهذه الأهداف تأثيرا علينا، وتدفعنا لتجاوز الحواجز التي تقف في طريقنا، وتكشف قدرتنا الحقيقية، كما ينبغي علينا إيجاد القدوة الحسنة التي ستدفعنا لتحقيق الأهداف، ولن نجد أفضل من رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. والآن لنسأل أنفسنا:
لماذا نريد إصلاح عيوبنا؟
ثم لنبحث بدقة عن هذه العيوب، وما السبب الحقيقي خلف هذه العيوب؟
وما هو العلاج؟
وهل نملك القدرة على التنفيذ؟
وما الذي يمنعنا من عدم التحقيق؟
إن أحد أهم الأسباب لعدم تحقيق الأهداف هو ضعف الإرادة، والإرادة هي تلك القدرة على التغلب على العقبات التي تواجهنا ونحن في طريقنا لتحقيق الأهداف، ونستطيع تنمية قدراتنا كما نستطيع تنمية عضلات أجسامنا من خلال: الاعتناء بالصحة، وأن نتعرف على نقاط الضعف ونقاط القوة في شخصيتنا، ونبدأ بالقرارات السهلة المتيسرة والتي نستطيع تحقيقها في البداية؛ حتى نقوي إرادتنا، ولكن يجب أن تكون قراراتنا من وحي أنفسنا وبدون توجيه خارجي.
متطلبات تنمية الإرادة:
1- الثقة في النفس.
2- السيطرة على النفس.
3- تغذية النفس بالمشاعر الإيجابية بدلا من السلبية.
أولا: الثقة في النفس:
نستطيع تنمية ثقتنا في أنفسنا من خلال تغيير العادات السلوكية غير المرغوب بها والبسيطة أيضا حتى نحققها، وتدفعنا للأمام خطوة مثل اختيار أحد السلوكيات كـ:
(عدم الإفطار في الصباح) واستبداله بما هو جيد وهو (الإفطار في الصباح).
وبذلك نزيد من ثقتنا بأنفسنا من خلال اتخاذ القرار، ولا بد لنا من الخلوة الذاتية حتى نراقب التقدم الذي نحرزه من خلال إنجازنا اليومي.
ثانيا: السيطرة على النفس:
فعندما نسيطر على أنفسنا سنبدو أكثر ثقة وجاذبية، لكن ما المقصود بالسيطرة على النفس؟
الإنسان المسيطر على نفسه:
· هو ذلك الذي عندما تجتاحه نوبة غضب عارمة لأي سبب كان فإنه يبتسم أو يتكلم برفق وهدوء لينقلب غضبه إلى رفعة.
· هو ذلك الذي إذا سمع فكرة أو رأيا لا يروق له بقي هادئا وإذا راق له بقي أيضا هادئا بدون أي اندفاع.
· هو ذلك الذي يستطيع أن يسيطر على عواطفه المؤلمة والسارة منها كذلك.
· هو ذلك الشخص الذي لا يندفع لعمل شيء بدون التفكير المسبق له.
تتمة الموضوع في الحلقة الثانية بإذن الله..
كيف أسيطر على نفسي؟
وهل يمكن التدرب على السيطرة على النفس؟
نعم بإمكاننا التدرب على السيطرة، وهو تدريب ليس شاقا بل كل ما يتطلبه هذا التدريب هو الدقة والحذر، ولا يجب أن يعلم أحد أنك تريد السيطرة على نفسك مثلا:
• جرب حينما تواجه ما يزعجك أو يثير أعصابك أن تبتعد عنه بدون أي كلمة أو أي ردة فعل.
• جرب عندما تنصدم بشيء أن تقوم بدفن مشاعرك بدون اندفاع.
• جرب أن تسمع نقاشا حادا دون أن تناقش بحدة.
• جرب أن تتكلم بما يعود عليك بالفائدة، وحاول أن يكون كلامك واضحا ومختصرا.
• جرب ألا تندفع عاطفيا ولا تسمح لعواطفك بتوجيه حياتك سواء كانت سارة أو مؤلمة (إيجابية أو سلبية) بل حدد مشاعرك بالضبط وما تشعر به، هل هو غضب أو جرح أو رفض؟ وتعرف على سبب هذه المشاعر، وإذا عرفت حقا فستستطيع التغلب على هذا الشعور وبالتالي ستهدأ تلك العواطف، فقط كل ما هو مطلوب التمهل والتفكر، وسيتم التحكم بها بإذن الله.
• جرب أن تحتفظ بالصمت عندما تسمع خبرا غريبا أو حتى عندما تشعر برغبة جامحة في التحدث فيه مع صديق ما.... فكر قبل اندفاعك وإن كان لا بد من الحديث فلتزن عباراتك بميزان دقيق، ولتكن كل كلمة في موضعها لتبلغ الفائدة منها، ولا تجادل بعنف وحماسة أبدا بل أنصت بهدوء لما تسمع من الأخبار، ولا تندفع في ردة فعلك ولا تبد رأيك في شيء ما، ما لم يكن ذلك ضروريا، ولا تسمح لأحد أن يستدرجك في حديث تندفع فيه بعصبية، ولا تجعل أحدا يدفعك لفعل تصرف قد تندم عليه طويلا، وإن وقعت في شخص ثرثار فلا تجعله يرهقك بغزارة كلامه وثرثرته، ولتعلم أنه عند الاندفاع تخسر وحدة من وحدات طاقتك العصبية.
كن هادئا وخذ نفسا عميقا وقل لنفسك: يجب ألا أكون متسرعا... لن أندفع... وتأكد أنك في كل مرة لا تندفع فيها تزيد من الاحتياطي من طاقتك العصبية التي عندما تحتاج إليها تجدها في خدمتك، فمن يحتفظ بطاقته العصبية يكون أقدر على الصبر والتحمل بعكس الذين ينفقونها ويعانون من التوتر العصبي.
ثالثا: تغذية النفس بالمشاعر الإيجابية:
لنعلم أن الذي نفكر فيه هو الذي يحدد مصيرنا ونوعية حياتنا وإليكم أسس التفكير الإيجابي لنكون إيجابيين:
1. الخارطة ليست الحدود: أي يجب علينا أن نتثبت قبل الحكم على أي شيء، فربما هناك شيء لا نراه، ولنضع أنفسنا مكان الآخرين، ومن ثم نحكم ولا نحكم بالظاهر فقط، ولا نتهم أحدا بريئا حتى تثبت إدانته، وليكن حسن الظن هو المنظار الذي ننظر به غالبا.
2. ليس هناك فشل إلا ويعقبه نجاح ولنعلم أن الحياة تجارب، والمؤمن دائما مبتلى، وإذا عرف الإنسان كيف يستفيد من الظروف الصعبة والابتلاءات التي تصيبه، فستفيده أكثر مما تضره، ومن أهمها تكفير الذنب للمبتلى الصابر، وإن تحقق النجاح يكون بعد سلسلة من التجارب، والإنسان الأكثر فشلا هو الأكثر استعدادا للنجاح.
3. الخيال من أسس النجاح فالخيال يسبق كل هدف وعندما ترى نفسك وتشعر وتحس وتتخيل مذاق وحلاوة النجاح وتسمع نفسك والآخرين يتحدثون عن هذا النجاح ستنجح حتما، وكذلك العكس إن شعرت وأحسست بأنك فاشل فستترسخ تلك الفكرة السلبية وتؤثر عليك.
4. كل شيء يحدث بسبب ولنجعل هذا القصد لصالحنا ولنسأل أنفسنا:
ما هي الرسالة التي تود المشكلة أن تقولها لي؟ وكيف أستفيد من هذه التجربة؟ وتقبل كل ما يحدث لك وقل لنفسك: ما الذي أستطيع عمله للتغيير؟ وسيتغير كل شيء بمشيئة الله.
5. ليس مهما أن تفهم كل شيء حتى تستطيع أن تستعمل كل شيء أي لا بد أن تستغل ما لديك من معلومات.
6. الجهاز العصبي لا يفرق بين الحقيقة والخيال لذلك كان من المهم أن تتخيل النجاح قبل حصوله، والخيال ليس أحلام يقظة ... لأن أحلام اليقظة تجبر الشخص على الهروب من واقعه فتنشئ عقليتين متضادتين، ولكن الخيال يكون مؤيدا بالأعمال الإيجابية والتقدم.
7. ليس مهما ما يحدث لك بل كيف تستقبل الحدث: لا نعلم إن كان هذا الموقف خير أم شر..؟ ولكن نعلم أن الله معنا وعندما يبتلينا يريد أن ينفعنا... الخير دائما من الله وحتى إن لم نعلم ما هو الخير، وسنرى الحدث بطريقة إيجابية والظروف الصعبة هي التي تصنع العظماء وإليكم بعض الطرق:
غَيِّر المعنى المتبادر لذهنك إلى معنى إيجابي فلكل عملة وجهان واختر ما تشاء، مثاله: عندما قالت عائشة - رضي الله عنها - عندما تصدقت بشاة إلا الكتف قالت: ذهبت كلها وبقي الكتف، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ) كلها قد بقي إلا كتفها (.
مثال آخر: حينما يقول لك المسئول عنك في العمل: أنا مستغن عن خدمتك، فقل: لا بأس سأنجح في مكان آخر وسأجد عملا أفضل، ولا يعارض التوكل البحث والعمل، بل التوكل عمل قلبي بينما الجوارح تصدق التوكل بالسعي والعمل، ومن صدق توكله على الله في كل شيء ناله، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ (سورة الطلاق، آية 3). والأكثر ليونة لا شك أكثر تحكما.
بالاستعانة بكتاب: دردشة نسوان/ لـ سمر الجمعان.